مراقبة تنفيذ الميزانية
الفرع الأول: الرقابة الاداريةلفرع الثاني: الرقابة البرلمانيةالفرع الثالث: الرقابة المستقلة تعتبر مرحلة تنفيذ الميزانية العامة للدولة، أهم المراحل وأكثرها خطورة و يقصد بها وضع بنودها المختلفة موضع التنفيذ. وتختص بهذه المرحلة السلطة التنفيذية، وتشرف على هذا التنفيذ وزارة المالية التي تعتبر أهم أجزاء الجهاز الإداري للدولة وهذه المرحلة تمثل انتقال الميزانية العامة من النظري إلى حيز التطبيق العملي الملموس. فتتولى الحكومة ممثلة في وزارة المالية، تحصيل و جباية الإيرادات الواردة المقدرة في الميزانية، كما تتولى الإنفاق على الأوجه المدرجة في الميزانية.
ولضمان تنفيذ
الميزانية في الأوجه المحددة لها، فقد اقتضى الأمر إيجاد وسائل مختلفة لمراقبة
الميزانية للتأكد من مراعاة واحترام المكلفين بالتنفيذ كافة القواعد المالية أثناء
ممارستهم لوظائفهم، والهدف من الرقابة هو التأكد من أن تنفيذ الميزانية قد تم على
الوجه المحدد ووفق السياسة التي وضعتها السلطة التنفيذية و إجازتها من طرف السلطة
التشريعية.
وبناء على ذلك
فإن الهدف الأساسي من الرقابة على تنفيذ الميزانية هو ضمان تحقيقها لأقصى قدر من
المنافع للمجتمع في حدود السياسة العامة للدولة.
وتأخذ الرقابة
على تنفيذ الميزانية عدة صور مختلفة وهي الرقابة الإدارية و الرقابة التشريعية
والرقابة المستقلة.
الفرع الأول: الرقابة الإدارية
تتولى وزارة
المالية الرقابة الإدارية على تنفيذ الميزانية، حيث يقوم الرؤساء من موظفي الحكومة
بمراقبة مرؤوسيهم وكذلك مراقبة موظفي وزارة المالية عن طريق المراقبين الماليين
ومديري الحسابات على عمليات المصروفات التي يأمر بدفعها المختصون أو من ينوبون
عنهم.
تتم الرقابة
الإدارية من الناحية العملية في طريقتين أساسيتين :
أ- الرقابة الموضوعية :
تعني انتقال الرئيس إلى مكان عمل المرؤوس ليتأكد
من مباشرته لعمله على نحو دقيق. ومثالها أن ينتقل مدير المالية العامة إلى مكاتب
رؤساء المصالح ورئيس المصلحة إلى مكاتب رؤساء الدوائر، ورئيس الدائرة إلى مكاتب
سائر الموظفين التابعين له وهكذا.
ب- الرقابة على أساس الوثائق :
هنا لا ينتقل
الرئيس إلى محل عمل مرءوسيه ولكن يقوم بفحص أعمالهم من خلال التقارير و الوثائق
والملفات . وتبدو هذه الطريقة أيسر في التطبيق من الناحية العملية من الطريقة
السالفة (الرقابة الموضوعية) حيث أن انتقال الرئيس إلى مكان عمل مرءوسيه قد يؤدي
وخاصة في الدول النامية إلى انضباط العمل بصورة مؤقتة أثناء الزيارة فقط مما يؤثر
بالسلب على سير العمل ولا يحقق الرقابة الفعالة على تنفيذ الميزانية للدولة لذا
فإن أغلب الدول تأخذ بالرقابة على أساس المستندات، وتنقسم الرقابة الإدارية من حيث
توقيتها، إلى رقابة قبل تنفيذ الميزانية وأخرى بعد تنفيذ الميزانية.
1- الرقابة السابقة :
تمثل الجزء
الأكبر والأهم من الرقابة الإدارية وتكون مهمتها عدم صرف أي مبلغ إلا إذا كان
مطابقا لقواعد المالية المعمول بها سواء كانت قواعد الميزانية أو القواعد المقررة
في اللوائح الإدارية المختلفة.
وينص القانون
المنظم لقوانين المالية على وجوب امتناع مديري الحسابات ورؤسائهم ووكلائهم عن
التأشير على أمر بصرف مبلغ إذا لم يكن هناك اعتماد خاص به أصلا أو يترتب على تنفيذ
الصرف تجاوز الاعتمادات المخصصة في باب معين من أبواب الميزانية أو نقل اعتماد من
باب إلى آخر. كما نص أيضا هذا القانون على أنه يتعين على المسؤولين الماليين
بالجهاز الإداري للحكومة ووحدات الإدارة المحلية والوحدات الاقتصادية إخطار وزارة
المالية و الجهاز المركزي للمحاسبات بأي مخالفة مالية.
2- الرقابة اللاحقة على تنفيذ الميزانية :
يقصد بها الرقابة
الإدارية اللاحقة على الحسابات وتتلخص في إعداد حسابات شهرية وربع سنوية وسنوية،
ويقوم المراقب المالي في كل وزارة أو مصلحة بمناسبة إعدادها بفحصها للتأكد من
سلامة المركز المالي للوزارة أو المصلحة وبمراجعة دفاتر الحسابات المختلفة ويضع عن
كل هذا تقريرا يرسله مع الحسابات إلى المديرية العامة للميزانية في وزارة المالية
وتشمل أيضا بجانب الرقابة على الحسابات الرقابة على الخزينة وعلى المخازن للتأكد
من عدم حدوث اختلاسات ومخالفات مالية.
ومما هو جدير بالذكر أن الرقابة الإدارية، أيا
كان نوعها لا تعدو أن تكون رقابة من الإدارة على نفسها، أي أنها رقابة ذاتية أو
داخلية، طبقا للقواعد التي تضعها السلطة التنفيذية، ولذا فإنها لا تعد كافية
للتأكد من حسن التصرف في الأموال العمومية، إذ كشفت التطبيقات العملية أن مراقبة
الإدارة لنفسها قد أدى إلى العديد من مظاهر التسيّب والإسراف بل والانحراف المالي
والتي كان مصدرها الأساسي يكمن في انعدام الإشراف والرقابة على السلطة التنفيذية
في قيامها بتنفيذ الميزانية ولذا فإن الرقابة الإدارية على تنفيذ الميزانية العامة
غير كافية لوحدها.
الفرع الثاني : الرقابة البرلمانية
إذا كان المجلس
التشريعي هو الذي باعتماد ميزانية الدولة فانه من الطبيعي أن يتولى الرقابة على
تنفيذه للتأكد من سلامة تنفيذها على النحو الذي تم اعتماده وإجازته وتتمثل هذه
الرقابة في مطالبة البرلمان الإيضاحات والمعلومات التي تساهم في التأكد من سير
العمليات الخاصة بالنفقات والإيرادات العامة سواء في صورة أسئلة شفوية أو كتابية
أو استجوابات وبإمكان اللجان البرلمانية استدعاء ممثلي السلطة التنفيذية للاستماع
إليهم أو تتم هذه الرقابة بمناقشة الحساب الختامي عن السنة المالية السابقة. وقد
تكون هذه الرقابة معاصرة لتنفيذ الميزانية إذ تقوم لجنة الشؤون الاقتصادية
والمالية بالبرلمان بطلب المستندات والوثائق اللازمة عن تنفيذ الميزانية أثناء
السنة المالية وإذا تبين وجود مخالفة للقواعد المالية فيحق لها تقديم أسئلة
واستجوابات للوزراء المختصين المعنيين عن ذلك كما يمارس البرلمان هذه الرقابة عند
لجوء الحكومة له لفتح اعتمادات إضافية وتبرر طلبها مما يسهل مراقبتها .
إضافة إلى هذه
الرقابة هناك رقابة لاحقة للتنفيذ الميزانية وتتعلق بعرض الحساب الختامي عن السنة
المالية المنتهية لمناقشته واعتماده وإصداره وقد عرّفت المادة 05 من القانون 84/17
المتعلق بقوانين المالية " قانون ضبط الميزانية " بأنه: " الوثيقة
التي يثبت بمقتضاها تنفيذ قانون المالية وعند الاقتضاء قوانين المالية التكميلية
" وأوضحت المادة 77 من هذا القانون الهدف من هذا القانون بنصها "
يقر قانون ضبط الميزانية حساب نتائج السنة المشتمل على ما يلي :
1/الفائض أو العجز الناتج عن الفرق الواضح بين
إيرادات. ونفقات الميزانية العامة للدولة.
2/النتائج المثبتة في تنفيذ الحسابات الخاصة
للخزينة " .
ومن اجل تمكين
البرلمان من القيام بهذه الرقابة أوجب المشرع على الحكومة عند تقديم مشروع ضبط
الميزانية للبرلمان أن ترفقه بتقارير وبيانات توضيحية ويجب عليها استشارة مجلس
المحاسبة في المشاريع التمهيدية المتضمنة ضبط الميزانية ويرسل تقريره التقييمي
للبرلمان وتجدر الإشارة بخصوص قانون ضبط الميزانية باعتباره الوسيلة التي تمكن
البرلمان من ممارسة مهامه الرقابية إلى الملاحظة التالية :
- قد تمتنع الحكومة عن إعداد مشروع قانون ضبط الميزانية مادامت هي التي تملك
الحق في المبادرة بوضع هذا المشروع ومنذ سنة 1984
لم تقم الحكومة بتقديم مشاريع قوانين ضبط الميزانية بالرغم من أن قانون ضبط الميزانية هو الوسيلة التي تمكّن البرلمان
من الاطلاع على النتائج الفعلية للحساب المالي للدولة عن السنة المالية لهذه
الميزانية فيما يتعلق بالمبالغ التي أنفقت والإيرادات التي حصلت فعلا وأمام امتناع
الحكومة عن ذلك لابد على البرلمان تفعيل الوسائل الأخرى المتمثلة في الأسئلة
والاستجوابات والمصادقة على بيان السياسة العامة وإذا تبين للبرلمان حدوث مخالفات
مالية جسيمة في تنفيذ الميزانية يحق لها تحريك المسؤولية السياسية ضد الوزراء
المخالفين بسحب الثقة فيهم وقد يؤدي ذلك لسحب الثقة من الحكومة بأكملها واستقالتها
الجماعية بالتبعية.
ورغم فعالية هذه
الرقابة إلا انه يعاب عليها أن أعضاء السلطة التشريعية قد لا يكون لهم الوقت
الكافي والخبرة الفنية لإجراء المحاسبة الكافية لمناقشة الحساب الختامي الذي قد
يصل لآلاف الصفحات خاصة أمام المهام الأخرى للبرلمان فضلا عن إحاطة المشرع وسائل
البرلمان في الرقابة بالعديد من الشروط ( يجب أن يوقع على ملتمس الرقابة من قبل
1/7 النواب على الأقل وان يوافق عليه 2/3 النواب وان لا يتم التصويت عليه إلا بعد
3 أيام من إيداعه، يجب أن يوقع على نص الاستجواب 30 نائب على الأقل أو ثلاثين عضو
من مجلس الأمة، لا يمكن لعضو البرلمان أن يطرح أكثر من سؤال في جلسة واحدة، يجب أن
يوقع على لائحة إنشاء لجنة التحقيق 20عضوا على الأقل من أعضاء مجلس الأمة أو
المجلس الشعبي الوطني حسب الحالة ) وكذا امتلاك الحكومة لممثلين لها في البرلمان
غالبا ما يشكلون الأغلبية .
الفرع الثالث : الرقابة المستقلة
هذه الرقابة
فعالة لكونها مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية وعادة ما تكون هيئة فنية خاصة
تقوم بفحص تفاصيل تنفيذ الميزانية ومراجعة حسابات ومستندات التحصيل والصرف ومحاولة
كشف ما تضمنه من مخالفات ووضع تقرير شامل عن ذلك ساعد السلطة التشريعية على فحص
الحساب الختامي بطريقة جدية تسمح بكشف كل المخالفات المالية وتختلف هذه الهيئة
المستقلة من دولة لأخرى ففي فرنسا تتولاها هيئة إدارية منظمة تنظيما قضائيا هي
محكمة الحسابات تتكون من عدة دوائر يرأس كل منها مستشار وتتشكل من عدد من
المحاسبين يتولون تحضير التقارير المحاسبية والفنية التي تطلبها المحكمة ويمثل
الحكومة بها نائب عام ومحامون عامون.
أما في
الجزائر يتولاها مجلس المحاسبة ماعدا ما استثناه القانون صراحة ويقوم مجلس
المحاسبة في الجزائر بمراقبة الإيرادات والنفقات التي تتضمنها حسابات الدولة
للتأكد من تنفيذها بصورة سليمة ومراجعة حسابات التسوية والقروض والتسهيلات
والرقابة على المخازن ومراجعة الحسابات الختامية للشركات ومنشآت القطاع العام وفحص
سجلات ودفاتر ومستندات التحصيل والصرف وكشف حالات الاختلاس والإهمال
والمخالفات المالية وبحث أسبابها ووسائل تجنبها ومعالجتها كما يختص بفحص ومراجعة
كل حساب أو عمل آخر يكلفه رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة بفحصه ومراجعته.
ومن اختصاص مجلس
المحاسبة متابعة تنفيذ الميزانية العامة من الناحية المالية والحسابية والتقنية
للتأكد من عدم وقوع أي تبذير أو إسراف.
ومما سبق نجد أن
رقابة مجلس المحاسبة هي رقابة لاحقة مما يعني أنها تتم على أساس الواقع وليس التقدير
وبالتالي يمكنها الوصول لاقتراح إصلاحات في المستقبل بإتباع الأساليب الحديثة
لتحضير الميزانيات رغم أن قيامها بعد تنفيذ الميزانية قد لا يسمح بالحفظ على المال
العام
*****************************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تذكر قوله تعالى:
(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))
-----------------------------------